Admin Admin
عدد المساهمات : 569 تاريخ التسجيل : 15/03/2013
| موضوع: ][فضيلة الصدقة وأهميتها - الشيخ صالح آل طالب][ الجمعة فبراير 21, 2014 7:12 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ================== خطبة من المسجد الحرام
][فضيلة الصدقة وأهميتها - الشيخ صالح آل طالب][ ======================== الخطبة الأولى الحمد لله،{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ: 1-2]، سبحانه وبحمده يعلم خبايا النفوس وإسرارها، ويكشف خفايا القلوب وأسرارها: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] ويحصي حصائد الألسن فينشرها يوم النشور، يثبت ويكتب ثم يحاسب فيغفر أو يعذب. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد: فإن التقوى خير وصية وخير لباس وأكرم سجية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70- 71].
رحم الله امرأً أصلح من لسانه وأبصر من عنانه، وألزم طريق الحقِّ مِقوَدَه، ولم يُعوَّد الخَطَل مِفصله.
أيها المسلمون: حديث اليوم حديث عن خلَّة هي سيدة الأخلاق وجامعة الفضائل ورأس الشمائل تمدَّح الله بها في كتابه فقال – سبحانه -: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً} [النساء: 87]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} [النساء: 122]، وقال: {قُلْ صَدَقَ اللّهُ} [آل عمران: 95].
وصف الله بالصدق رسله وأنبياءه وأصفياءه وأولياءه فقال – سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} [مريم: 54]، وقال لعباده أجمعين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} {التوبة: 119].
أيها المسلمون: صفة الصدق ليست نفلاً ولا خيارا، إنها فريضةٌ على المسلم وسجيةٌ للمؤمن، والذي يجب أن يكون باطنه وظاهره سواء في الصدق والوضوح والطهارة والصفاء. ومع بساطة هذه الصفة وإجماع الخلق عليها إلا أننا اليوم أحوج ما نكون إلى التواصي بالالتزام بها في خضم أزمة الأخلاق التي يعاني منها الكثير لأسبابٍ يأتي في مقدمها: ضعف الإيمان، وضعف التربية، والتهافت على الدنيا.
الصدق - أيها المؤمنون - محمدةٌ في الدنيا والآخرة وعلامة التقوى وسببٌ لتكفير السيئات ورفعة الدرجات، وكل ذلك مجموعٌ في قول الله – عز وجل -: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: 33- 35]، أما في يوم الجزاء فاسمع قول الله – تعالى -: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119].
الصدق فضلٌ ونبلٌ ودربٌ مضيء ونفسٌ سامية، وصاحبه موفَّقٌ أبداً لكل خير، وتأملوا أيها المسلمون لهذا الحديث: عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إنّ الصدقَ يهدِي إلى البر، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجلَ لَيصْدُقَ حتى يكونَ صدِّيقا، وإن الكذبَ يهدي إلى الفجور، وإن الفجورَ يهدي إلى النار، وإن الرجلَ ليكذِبَ حتّى يُكتبَ عنْد اللهِ كذَّابا"؛ رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: "ولا يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدقَ حتى يُكتبَ عنْدَ اللهِ صدِّيقا، ولا يزالُ الرَّجلَ يكذِبُ ويتحرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتبَ عندَ اللهِ كذَّابَا".
إن الصدق هادٍ لكل بر قائدٌ لكل خير آخذٌ بصاحبه في مسالك الهدى حتى يدخله الجنة، كيف لا وهو صادق اللهجة؟ كيف لا وهو صادق اللهجة صادق الحال متحرٍّ للحق في كل الأقوال والأفعال؟ إنه يصدق ويتحرى الصدق ويلتزمه ويحتاط له ويزن كلماته ويتباعد عن الخطأ ويتحرج من الزلل، فلا تنطوي نفسه على خبيئة أو خيانة حتى يُكتب عند الله صديقا. وأي منزلةٍ يرجوها المسلم بعد هذا؟ إنهم رفاق الأنبياء والشهداء {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} [النساء: 69].
أيها المسلم: وحتى يتبين لك أثر الصدق في القلب وبأي شيء استحق الصادقون مرافقة الأنبياء فتأمل أيضاً هذا الحديث الصحيح، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا اقتربَ الزمانُ لم تكدْ رؤيا المسلمُ تكذب، وأصدقُكُم رؤيا أصدقُكُمْ حديثَا (وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا)، ورؤيا المسلمِ جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النُّبوَّة"؛ الحديث رواه البخاري ومسلم. تأمل الرؤيا الصادقة جزءٌ من النبوة، وتكون في القلب الصادق الذي سما وتطهر فاستضاء واستنار بنور الله ففُتِحتْ له سُدفُ الغيب وأعْلمَهُ اللهُ بما شَاء.
أيها المسلمون: من لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألْزَم، ومن اعتصم به في حق نفسه كان في حق الله أعصم، ومن تحرى الصدق هُدي إليه وطابت نفسه وطهرتْ سريرته وأضاء قلبه.
عباد الله: إنه لا يصح التهاون في هذا المبدأ، فهو أساسٌ في ديننا، وقد كان عنوانًا لقدوتنا وأسوتنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – والذي كانت حياته أفضل مثالٍ للإنسان الكامل الذي اتخذ من الصدق في القول والأمانة في المعاملة خطاً ثابتاً لا يحيد عنه قيد أنملة، وقد كان ذلك فيه بمثابة السجية والطبع فعُرِف به حتى قبل البعثة ولُقِّب بالصادق الأمين، واشُتُهِر بهذا وعُرِف به بين الناس، ولما أُمِر بالجهر بالدعوة وتبليغ الرسالة جمع الناس وسألهم عن مدى تصديقهم له إذا أخبرهم بأمر، فأجابوا بما عرفوا عنه قائلين: ما جرَّبنا عليك إلا صدقاً.
وانظر إلى هذا الموقف من حياةٍ كلها صدقٌ ونبلٌ ووفاء. عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت النبي – صلى الله عليه وسلم – ببيعٍ قبل أن يُبعث وبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال: "يا فتى!! لقد شَققْت علَي، أنا ها هُنا منذ ثلاث أنتظِرُك"، رواه أبو داود. ثلاثة أيام وهو يأتي في نفس الموعد إلى المكان المتفق عليه وفاءً وصدقاً.
واستمر هذا المبدأ الراسخ معه منذ طفولته حتى توفي – صلى الله عليه وسلم – لم يكذب كذبةً واحدة، بل كان الكذب أبغض خلقٍ إليه؛ قالت عائشة – رضي الله عنها –: "ما كان من خلقٍ أبغَض إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما يزالُ في نفسهِ حتى يعلَمَ أنه قدْ أحدَث فيها توبة"؛ أخرجه الإمام أحمد وابن حبان.
ذلكم أن الكذب – يا عباد الله – صفةٌ دنيئة وخلقٌ لئيم، وقد يكون للبخيل أو الجبان ما يعذره، لكن ليس للكذاب عذر، روى صفوان بن سليم قال: قيل للنبي – صلى الله عليه وسلم –: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: "نعم"، قيل: أفيكون بخيلا؟ قال: "نعم"، قيل: أفيكون كذابا؟ قال: "لا "؛ رواه الإمام مالك في "الموطأ"، وفي سنده مقال.
ويعضده ويبينه الحديث الآخر في مسند الإمام أحمد: عن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يُطْبعُ المؤمنُ على الخلالِ كلِّهَا إلا الخيانةَ والكذِب (إلا الخيانةَ والكذِب)".
قال النووي - رحمه الله -: "قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب فيالجملة، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب، وإجماع الأمة منعقدٌ على تحريمه مع النصوص المتظاهرة"، ثم قال – رحمه الله: "ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "آيةُ المنافقِ ثلاث: إذا حدَّث كَذب، وإذا وعدَ أخْلفَ، وإذا أؤتمِن خان". وعن عبد الله بن عمروٍ – رضي الله عنه –: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ( وعن عبد الله بن عمروٍ – رضي الله عنه –: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال): "أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خَصْلَةٌ منهن كانتْ فيه خصلةٌ من النِّفاقِ حتى يَدَعَهَا: إذا أؤتمنَ خَان، وإذَا حدَّثَ كَذَب، وإِذا عَاهَدَ غَدَر، وإذَا خاصَمَ فَجَر"؛ رواه البخاري ومسلم.
الكذب يُنقص الإيمان؛ قال الله – عز وجل -: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ} [النحل: 105]، بل إن الكاذب معرَّضٌ للَّعن: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].
الخَرَس خيرٌ من الكذب وصدق اللسان أول السعادة، وما من شيء إذا فكرت فيه بأذهب للمروءة والجمال وأبعد بالبهاء من الرجال من الكذب، فالكذب جماع كل شر وأصل كل ذنب وصغيره يجر إلى كبيره. وقد قالت الحكماء: "مَنْ استحلى رضاعَ الكذبِ عسُر فطامُه "؛ لذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يذمه مهما كان يسيرا، ويُنفِّر من الكذب حتى على الصغار لأجل أن يشبوا على الصدق ويألفوه ويتباعدوا عن الكذب ويأنفوه، عن عبد الله بن عامرٍ أنه قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله – صلى الله عليه سلم – قاعدٌ في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " وما أردْتِِ أنْ تعطِيه؟ " قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أما إنَّكِ لوْ لم تعطِه شيئاً كُتِبَتْ عليكِ كذِبة"؛ رواه ابو داود بإسناد حسن.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "من قالَ لصبيٍّ: تعالى هاكَ ثم لم يعطِه فهي كذِبَة"؛ رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
فانظر كيف يعلِّم الرسول – صلى الله عليه وسلم - الآباء والأمهات أن يُنشئوا أولادهم تنشئةً يقدسون فيها الصدق ويتنزهون عن الكذب، ولو أنه تجاوز عن هذه الأمور وحسبها من التوافه الهينة لخشي أن يكبر الأطفال وهم يعتبرون الكذب ذنبا صغيرا وهو عند الله عظيم.
وقد صارت هذه الصرامة في تحرِّي الحق ورعاية الصدق حتى تناولت الشئون المنزلية الصغيرة، عن أسماء بنت يزيد - - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله إنْ قالتْ إحدَانا لشيءٍ تشْتهِيه لا أشْتهيه يُعدُّ ذلك كذِبا؟ قال: "إنَّ الكذِبَ يُكتَبُ كذِبا، حتّى تُكتَبُ الكُذَيبةُ كُذَيْبة"؛ أخرجه الإمام أحمد والطبراني في الكبير.
إنه لا تهاون في مبدأ الكذب حتى ولو كان للتسلية أو المزاح، عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويلٌ للذِي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحِكَ بهِ القوم فيكْذِب، ويلٌ له، ويلٌ له"؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسنٌ صحيح، ولفظ أبي داود: "ويلٌ للَّذي يحدِّثُ فيكذِب ليُضْحِكَ القوم، ويلٌ له، ويلٌ له".
فإذا كان هذا فيما يستسهل فما ظنك بأشنع الكذب، وهو الكذب على الله أو على رسوله! قال الله - عز وجل -: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كذب عليَّ متعمِّدًا فلْيتبوّأ مقعدَهُ مِنَ النَّار " متفق عليه. يلي ذلك ما كان ضرره عاما (يلي ذلك ما كان ضرره عاما) كالكذب الذي يطال مصالح الأمة وقضاياها الكبار أو يحدث بلبلة في صفوف المجتمع وينشر الفوضى ويعدم الثقة ويلبس الحق بالباطل؛ سيما مع وجود وسائل النشر العامة وسرعة انتشار المعلومة، فتجد شبكة معلومات تطلق الإشاعات، وترى إعلاما يكذب وصحفا تحرض فيعز الصدق وسط هذا الركام (فيعز الصدق وسط هذا الركام)، وإذا اختلطت الحقائق سار الناس على غير هدى، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عذاب من ينشر كذبته فقال: "وأما الرجل الذي أتيت عليه يُشرْشَرُ شِدْقُه إلى قفاه ومِنْخَرُه إلى قفاه وعينُه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فينكذب الكذبة تبلغ الآفاق"؛ رواه البخاري. وربما يأتي الكذب من مصدر يعتقد السامع صدقه فيبني عليه مواقفه فيحصل من البلاء والضرر ما لا يعلمه إلا الله، وربما هدمت بيوت وشتت أسر أو أريقت دماء لأجل نقل كاذب أو وشاية غادرة، وفي الحديث: "كبُرتْ خيانةً أنْ تحدِّثَ أخاك حديثًا هو لك به مصدِّق وأنت له به كاذِب"؛ رواه أبو داود. عباد الله: الصدق بركة والكذب محق، وعند البيع والشراء يحضر الطمع ويقل الورع؛ لذا كان التوجيه الكريم واعظا في هذا المقام، عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البيِّعان بالخيارِ ما لمْ يتفرقَا (أو قال) حتى يتفرقا، فإنْ صدقَا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعهِما، وإنْ كتَمَا وكذبا مُحقت بركةُ بيعهِما"؛ رواه البخاري ومسلم. وقد بوب البخاري في صححيه لهذا الحديث بقوله (باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع). وعن رفاعة - رضي الله عنه -: أنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: "يا معشر التُّجار، فاستجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: إن التجار يُبعثون يوم القيامةِ فجَّارا إلا مَن اتقى الله وبرَّ وصدق"؛ رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسن صحيح. ألا فاجعلوا الصدق لكم شعارًا ودثارًا، والزموه إعلانًا وإسرارا يجعل الله التقوى في قلوبكم والتوفيق والنور في دروبكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله – تعالى - لي ولكم.
الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون فأطْر النفس على الصدق وإلزامها به ومراقبة الله - تعالى - في السر والعلن والتزام التقوى دوافع للإنسان أن يكون الصدق له سجية. إشاعة الصدق في المجتمع ونبذ الكذابين - خاصة في وسائل النشر العامة ومصادر التلقي - واجب على المجتمع. إنه من السيء أن يعتاد الناس على من يكذب ويبقى حاضرا مؤثرا بقلمه أو لسانه أو وسيلته الإعلامية، إنه قد يوجد في أي مكان من يكذب، لكن لا يجوز أن يبقى الكذب أو يعتاد على وجوده. لقد كانت الشريعة حاسمة في هذا الجانب، وكان من عقوبة القاذف في القرآن العظيم الجلد والتشهير بالفسق، وقال الله أيضا: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} [النور: 4]. إنه حجرٌ على وباء وإقصاءٌ لداء، كما أن للقدوة تأثيرًا كبيرا في هذا الجانب، وكم يغفل الأب أو الأم أو المعلم حين يتساهل في الصدق ولا يشعر أن الناشئ يلتقط منه بوعي أو بدون وعي ويتربى على هذا الخلق أو ذاك.
الصدق ثقافة مجتمع ومسئولية كل فرد "وهَلْ يكبُّ الناسُ في النّارِ على وجوهِهِم إلا حصائدُ ألسنتِهمْ".
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية محمدٍ بن عبد الله الهاشمي القرشي، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغرِّ الميامِين، وارْضَ اللهم عن الأئمة المهديين والخلفاء المرضيين - أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتَّبع سنتهم يارب العالمين.
اللهم أعِز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين. اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى، اللهم وأتم عليه لباس الصحة والعافية، اللهم وفق النائب الثاني لما فيه الخير للعباد والبلاد، واسلك بهم سبيل الرشاد، اللهم كن لهم جميعاً موفقاً مسدداً لكل خير وصلاح.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم احفظ ديارنا وآمن حدودنا، وانصر المرابطين على ثغورنا. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احْقِنْ دماءَهم وآمنهم في ديارهم، وأرغِد عيشهم وأصلح أحوالهم، واكْبِتْ عدوهم. اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدس، اللهم اجمعهم على الحق يارب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم يارب العالمين عزَّ جارُك وجلَّ ثناؤك وتقدست أسماؤك، يا من لا يُهزم جندُك ولا يُخلف وعدك سبحانك وبحمدك، اللهم قد طال ليل الظالمين، اللهم إن الصهاينة قد بغوا وطغوا وأسرفوا في الطغيان، اللهم هيِّئ لهم يداً من الحق حاصدة تكسر شوكتهم وتستأصل شأفتهم، اللهم أنزل بهم بأسك ورجزك إله الحق، اللهم لا تُقِم لهم راية ولا تحقِّقْ لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم يارب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسِّرْ أمورنا، وبلِّغْنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم إنك سميع الدعاء.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا مجللا عامًّا نافعًا غير ضار، تحي به البلاد وتسقي به العباد وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة. اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاد ولا هدم ولا غرق. اللهم إن بالعباد والبلاد من الحاجة واللأواء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم فأعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا، اللهم أنزِلْ علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً على طاعتك وبلاغاً إلى حين.
عباد الله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} {النحل: 90-91]. ==============
| |
|